قضايا معاصرة

لقد تطرق الكتاب المقدس لكافة الجوانب المتعلقة بحياتنا الروحية وعلاقتنا بالله، ولكنه لم يغفل أيضاً عن التطرق للقضايا الصعبة التي تواجهنا في حياتنا المعاصرة فهو كتاب لكل زمان لذلك فكلما ظهرت قضية على السطح نجد فكر الكتاب واضح فيها وعلى هذا الأساس تتناول سلسلة كتب قضايا معاصرة قضايا كالطلاق والإجهاض والموت والإدمان....على أساس كتابي.

انت هنا / قضايا معاصرة / الزواج والطلاق في المسيحية

الزواج والطلاق في المسيحية

الكاتب: القس أشرف شوق
الناشر: مطبوعات نظرة للمستقبل

كانت ولازالت قضية "الزواج والطلاق في المسيحية" إحدى أكبر القضايا المطروحة على ساحة الفكر ولقد اختلف العلماء واللاهوتيون ورجال الفكر في وضع حلول نهائية مُتفق عليها لمشكلات هذا الموضوع ، وذلك نظراً لتشعب القضية وتفرعها ، وأيضاً لاختلاف العوامل الدينية ، والثقافية ، والحضارية ، والبيئية ، التي تلعب الدور الأكبر في الحكم على الأمور الخلافية .


لذلك نجد الكاتب هنا يحاول أن يتناول هذا الموضوع من عدة جوانب ، خلال صفحات الكتاب والذي يقع في 130 ورقة من القطع المتوسط ، ومن أهم الزوايا التي يتطرق لها الكاتب هنا هي الزواج من المنظور الكتابي واللاهوتي وهو موضوع الباب الأول ، أما الباب الثاني فهو يحمل عنوان الطلاق من المنظور القانوني والاجتماعي ، وأخيراً الباب الثالث الذي يتطرق إلى الطلاق من وجهة نظر أخلاقية .


وعن الزواج من المنظور الكتابي واللاهوتي : يقدم لنا القس أشرف في البداية تعريفاً عاماً للزواج فيقول : " إن الآية الواردة في ( تكوين 2 : 24 ) " لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً " هي آيتنا المفتاحية في تقديم تعريف كتابي للزواج المسيحي ، ولعل ذلك يفسر علة استخدام يسوع نفسه لهذه الآية ، عندما سأله رجال الدين اليهودي عن وجهة نظره في أسباب الطلاق . ومن هذه الآية يمكننا أن نستنتج عناصر الزواج ، كالآتي : ـ

الزواج علاقة تقتصر على اثنين رجل واحد وامرأة واحدة .
يجب أن يتم الزواج بشكل علني " يترك الرجل أباه وأمه " .
الزواج علاقة دائمة " ..... يلتصق بامرأته " .
يكتمل الزواج بالاتصال الجنسي " ..... يكونان جسداً واحداً " .
إذاً ، فالزواج ، هو عهد قاصر على اثنين ( مختلفي الجنس ) ، رجل واحد وامرأة واحدة يُرسم ويُختم من قبل الله ، ويُسبق بترك علني للأبوين ، ويُكمل بالاتحاد الجنسي وينتج عنه مشاركة ومودة متبادلة تُكلل غالباً بهبة الأولاد ".


ثم يعرض الكاتب ترتيباً زمنياً لتطور معنى الزواج بدءاً من مرحلة ما قبل الشريعة ، الزواج في مرحلة الشريعة ،ثم الزواج في مرحلة ما قبل الطوائف المسيحية ، وأخيراً الزواج في مفهوم الكنيسة بعد انقسامها لمذاهب في الوقت الحالي ( الزواج عند الأقباط الأرثوذكس ،الزواج في شريعة البروتستانت ، الزواج عند الأقباط الكاثوليك ) .


ثم يتطرق الكاتب لعرض الطلاق من المنظور الكتابي واللاهوتي ، متناولاً تعليم العهد القديم عن الطلاق ، تعليم الرب يسوع عن الطلاق ، ثم تعليم الرسول بولس عن الطلاق ، وأخيراً الطلاق كما فهمته الكنيسة وفي هذه النقطة يعرض القس أشرف رأي آباء الكنيسة ما قبل الطوائف متخذاً من يوحنا فم الذهب نموذجاً لآباء الكنيسة .


أما الباب الثاني والذي يحمل عنوان الطلاق من المنظور القانوني ، فيتناول الكاتب هنا أسباب الطلاق عند كلاً من الكاثوليك ، البروتستانت ، الأرثوذكس ، موضحاً أن الشريعة المسيحية قد استندت في قولها بعدم قابلية الزواج للانحلال على ما ورد في العهد الجديد من أن " ما جمعه الله لا يفرقه إنسان ". وقول المسيح :" من طلق امرأته وتزوج بأخرى يزني عليها . وإن طلقت امرأة زوجها وتزوجت بآخر تزني "( مرقس 10 : 11 ، 12 ) ، وأيضاً ما قاله الرسول بولس من أن علاقة الرجل بالمرأة تشبه علاقة المسيح بالكنيسة ، وبما أن علاقة المسيح بالكنيسة علاقة أبدية ، فكذلك أيضاً يجب أن تكون علاقة الرجل بالمرأة علاقة دائمة .


أما عن الباب الثالث والذي يحمل عنوان الطلاق من وجهة نظر أخلاقية ، فيقول الكاتب أنه ما دمنا ـ كمسيحيين ـ ننظرإلى تعاليم الرب يسوع على أنها دستور إيماننا ، فمن الواجب علينا إذن أن ندرس الظروف والملابسات التي تحدث فيها السيد عن موضوع الزواج والطلاق ، لأنها تلقي ضوءاً على هذه القضية وتساعدنا في فهم الأبعاد المختلفة لفكر السيد المسيح فيها . فلقد جاء حديث السيد في هذا الموضوع في معرض رده على سؤال وجه إليه من قبل رجال الدين اليهودي ، وهو ما يجعلنا نفترض بثقة أن إجابة الرب لهذا السؤال لم تكن إلا مجرد عرض لطريقة تفكير الرب يسوع في قضية ما ، دون محاولة التعرض للإجابة عن كل الأسئلة المثارة حولها ، ودون الغوص في تفاصيلها !


ولقد سأل الفريسيون الرب :"هل يحل للرجل أن يُطلق امرأته لكل سبب ؟" ، ثم يُسجل الكاتب هنا عدة ملاحظات أهمها :

كان سؤال اليهود منحصراً في الطلاق وبواعثه ، أما إجابة المسيح فقد دارت حول الزواج وأسباب بقائه ونجاحه ، وكيف يجب أن يكون الزواج على الصورة المثلى التي قصدها الله مهندس ومشّرع الزواج ، منذ البدء .
إن المسيح من خلال إجابته قد خفف من قضاء الشريعة وأحكامها الشديدة على من يرتكبون خطية الزنا فلم يكن عقاب الزاني أو الزانية هو الطلاق بل القتل ، رجماً بالحجارة (تثنية 22 : 24) وربما لأجل قساوة اليهود الشديدة أثناء تنفيذ أحكام الإعدام بغيظ وغل ، سمح لهم موسى بالطلاق ، كإحدى المحاولات لتجنب المصير الدامي الذي يتعرض له كل من يسقط في هذه الخطية ! وكأن موسى قد أراد أن يختار اليهود أهون الشرين ، الطلاق بديلاً عن القتل !
إن الرب يسوع وهو يُجيب عن هذا السؤال ، قد قدم إجابة تنم عن أن الكتاب المقدس هو كتاب للمبادئ وليس كتاب تشريع ، فقد أرجع السيد سامعيه إلى الحالة الأولى التي خُلق عليها الإنسان " خلقهما من البدء ذكراً وأنثى " وفي هذه الحالة الأولى ، لم يكن الطلاق فقط مجرد أمر محرم أو مكروه أو غير مستحب ، بل في الحقيقة كان أمراً مستحيلاً لأنه لم يكن في العالم إلا رجل واحد وامرأة واحدة، فلو فكر آدم في تطليق حواء لما وجد أخرى ليتزوجها !!
ولقد أثبتت التجربة الإنسانية أنه لا توجد شريعة غير قابلة للالتفاف حولها أو التحايل عليها . وهذه هي مشكلة القلب الإنساني الخاطئ ، ولا توجد تشريعات بشرية أو دينية قادرة على السيطرة على جنوح هذا القلب وتمرده ، إنها فقط "نعمة الله وحدها" .


ويعلن المؤلف أن من يظن أن المشاكل المعقدة تنتهي بالطلاق هو واهم ومخدوع ، فالمشكلة لا تنتهي بالطلاق بل لعلها تبدأ به ، إن الطلاق لن يحل المشكلة الأساسية أبداً ولا يشكل هو المشكلة !!


فالطلاق هو العرض أما المرض نفسه فهو الخطية التي تأصلت في الإنسان وتوحشت ، وما الطلاق إلا أحد مظاهر هذه المشكلة . أما حل المشكلة فلا يكون بمنع الطلاق أو بتحريمه . بل في وعي الكنيسة بمسؤوليتها واضطلاعها بدورها في قيادة تابعيها إلى الرب المصلوب المقام وربح نفوسهم للفادي العظيم .


ويسوق لنا الكاتب العديد من الآثار السلبية للطلاق فيقول :


" إن التبعات والنتائج السيئة للطلاق على المستوى الاقتصادي قد تكون أخف بالنسبة للرجل مقارنة بالمرأة . فربما كان الرجل غنياً ميسور الحال لا يضره كثيراً أن يضطر للإنفاق على منزله وكذلك على منزل طليقته وأولاده ، في نفس الوقت .


لكن النتائج الأكثر خطورة هي تلك النتائج النفسية ؛ فمشاعر الاكتئاب والانعزال عن المجتمع والأصدقاء ، وكذلك أحاسيس الإحباط والسوداوية والشكوك وفقدان الاتزان ، هي قليل من كثير مما يواجهه الرجل المطلق .


أما بالنسبة للمرأة فإن آثار الطلاق عليها أكثر ضرراً وإيذاءً ، ومنها :ـ

الاحتياج والعوز المادي
الهموم والأفكار السلبية التي تنتاب المرأة
نظرة الشك والريبة التي تراها في عيون الآخرين
قلة فرص الزواج مرة أخرى
وأخيراً يعرض الكاتب العديد من الصعوبات التي تواجه الكيان الأسري وتساهم في تفاقم المشكلة والتي من أهمها :

الانشغال الزائد بالعمل ، وعدم إعطاء وقت لشريك الحياة ، الثقافة السائدة في مجتمعات يمثل فيها المسيحيون الأقلية العددية ، الانحرافات الأخلاقية ، غياب المفاهيم الروحية الصحيحة ، ضعف دور المنزل بسبب الانشغال بالأمور الثانوية ، تعقد الحياة فكرياً ، تغير القيم الاقتصادية .


ويختتم الكاتب حديثه بالقول أنه:"على الرغم من الأهمية القصوى للزواج طبقاً للمفهوم الكتابي المعلن في الكلمة المقدسة ، وأيضاً نظراً لكون الزواج هو المشروع الذي يستغرق العمر كله إلا أن معظم الشباب والشابات لا يستعدون لإنجاح هذا المشروع بشكلٍ كاف !!


فقد يقضي الدارسون أثناء الجامعة سنوات كثيرة للدراسة بكلية الطب مثلاً ، وبعد التخرج يواصل الطبيب دراساته العليا حتى يتمكن من الحصول على ثقة مرضاه ، وهكذا الحال في كثير من مجالات الحياة العملية أيضاً . والسؤال الذي يفرض نفسه : هل يستعد الشاب للحياة الزوجية بنفس القدر من العناية والاجتهاد والاهتمام ؟! مع العلم أن المرء يدرك جيدا دوامه واستمراره !! .
نحن نحتاج أن نبذل جهداً ، ونعطي وقتاً ، ونظهر اهتماماً وعناية بالاستعداد للزواج . كذلك تحتاج الكنيسة أن تؤمن دورات دراسية وتدريبية للمقبلين على الزواج ، وذلك حتى يفهم الخطيبان الأبعاد الروحية والنفسية ، وأيضاً الأخلاقية والجسدية المرتبطة بهذا الموضوع" .

للتحميل والقراءة   
 
الزواج والطلاق في المسيحية
حقوق النشر © 2022 نظرة للمستقبل . جميع الحقوق محفوظة.