قضايا معاصرة

لقد تطرق الكتاب المقدس لكافة الجوانب المتعلقة بحياتنا الروحية وعلاقتنا بالله، ولكنه لم يغفل أيضاً عن التطرق للقضايا الصعبة التي تواجهنا في حياتنا المعاصرة فهو كتاب لكل زمان لذلك فكلما ظهرت قضية على السطح نجد فكر الكتاب واضح فيها وعلى هذا الأساس تتناول سلسلة كتب قضايا معاصرة قضايا كالطلاق والإجهاض والموت والإدمان....على أساس كتابي.

انت هنا / قضايا معاصرة / المفهوم اللاهوتي للثورة

المفهوم اللاهوتي للثورة

الكاتب: نصر اللة زكريا
الناشر: مطبوعات نظرة للمستقبل

في مقدمة كتاب المفهوم اللاهوتي للثورة والذي يقع في 150 صفحة من القطع المتوسط يتساءل المؤلف هل على الإنسان أن يركن إلى الرضوخ للحاكم الظالم ؟ أم أن يثور على الظلم ويساعد في تحقيق العدل ورفع الظلم والقهر عن الإنسان الذي خلقه الله على صورته كشبهه ، الإنسان الذي تضمن له المواثيق والعهود الدولية حقوقاً يجب على أي حاكم أن يحترمها ؟ هل على الإنسان أن يستمع لصوت المؤسسة الدينية أم ينتصر للإنسان المظلوم والمقهور ، وهذه وصايا الله؟ كيف نفهم دعوة الكنيسة وهي تمنع شبابها من الانضمام للتظاهرات في ضوء ثورية عظماء أنبياء الكتاب المقدس كناثان النبي ، إيليا النبي ، يوحنا المعمدان ، وشخص المسيح ، والرسول بولس وغيرهم ؟


أليس دور الكنيسة روحياً ينحصر في إرشاد شعبها وتوجيهه في الإطار الروحي ؟ أم أنها أصبحت مؤسسة تعمل بالسياسة على غير دعوتها وطبيعتها ؟ .
في الحقيقة جاء هذا الكتاب كمحاولة للإجابة على هذه التساؤلات ، ولا نجد أمامنا إلا العودة إلى الكتاب المقدس ، والتاريخ الكنسي ، والبحث والتنقيب فيهما ،

وما يثير التعجب هو أن الكتاب المقدس يستخدم ذات الكلمات التي تستخدمها الثورات والتظاهرات التي تُمهد لها ، هذا فضلاً عن الدعوة الكتابية الصريحة لمناهضة الظلم والقهر ، كما أن السيد المسيح كان زعيماً ثائراً استطاع أن يُغير الكثير من المفاهيم السائدة في عصره ، ومع أن أفكاره كانت بمثابة ثورة سلمية غيرت تاريخ البشرية ، إلا أنه حينما لطمه جندي أثناء محاكمته ، لم يقبل إهانة الجندي له وسأله : "إن كنت قد تكلمت ردياً فاشهد على الردي وإن حسناً فلماذا تضربني ؟ "(يوحنا 18 :23) ، لقد كان المسيح شديد الحنو والرحمة أمام ضعف الإنسان وثائراً من أجل حقوقه وكرامته وخلاصه . وهذه هي الثورية الإيجابية .


وفي البداية يشير المؤلف لبعض المصطلحات والتعريفات الهامة ،ونذكر من بينها:
ــ الاحتجاج ، الشغب ، العصيان ، الإضراب ، الانقلاب ، الانتفاضة ، الثورة


ثم يتطرق الكاتب ليتناول الجوانب الآتية:
أولاً: الاحتجاجات والثورة في الكتاب المقدس : في هذا المجال يتناول الكاتب ليس فقط الموقف التاريخي واللاهوتي للاحتجاجات والثورات عبر التاريخ الكتابي ، لكنه يعرض بعض الاصطلاحات الكتابية التي لها علاقة بالحركات الاحتجاجية والثورات ، كما يعرض دراسة لبعض الشخصيات الثورية ، والتي سجلت لها كلمة الله مواقف قيادية واضحة لحركات الاحتجاج وقيادة الثورات ، سواء على الصعيد الأيدلوجي أو الفئوي أو الأخلاقي .... .


ثانياً: الاحتجاجات والثورات في التاريخ المسيحي والكنسي: يُسجل التاريخ المسيحي عامة ، والكنسي خاصة ، الكثير من الاحتجاجات والثورات ، ضد الفساد وأوجه الظلم المختلفة ، ومنها الديني ومنها السياسي ، ومنها ما جمع بين الإثنين ، وغالباً ما كانت محاولات الإصلاح تسبق أي احتجاج أو ثورة وعلى سبيل المثال يعرض الكاتب ثورة الأنطاكيين ضد الإمبراطور ثيودؤسيوس ، ثورة الإصلاح الإنجيلي في أوربا ، ثورة الشباب القبطي المصري ضد البابا يوساب الثاني


ثالثاً: المفهوم اللاهوتي للاحتجاجات والثورات: تشهد منطقتنا العربية ـ هذه الأيام ـ الكثير من الاضطرابات والحركات الاحتجاجية والثورات التي أطاحت بأنظمة سياسية ، وقد دفع هذا بالكثيرين وخاصة من المسيحيين للتساؤل عن الأطر التي يجب أن يتحركوا من خلالها ، وهل هناك أسس كتابية ولاهوتية للمشاركة في تلك الأحداث والمساهمة في تغيير المجتمعات التي يعيشون فيها ؟ أم أن عليهم الركون والانزواء بعيداً عن معترك الحياة العامة ، وليفعل الله ما يشاء ؟


وفي هذا الصدد يشير الكاتب إلى أن ثلاث مدارس فكرية ولاهوتية تباينت فيما بينها حول الإجابة على هذه الأسئلة :ـ
المدرسة الأولى : تدعو للانفصال التام والانعزال عن شؤون العالم والمجتمع ، بل تتخذ موقف العداء للعالم والحرب ضده .
المدرسة الثانية : لا تختلف كثيراً عن المدرسة السابقة ، إلا أنها تدعو إلى الانفصال عن العالم دون إعلان الحرب ضده ، مع تقديم رسالة الخلاص له.
المدرسة الثالثة : وتنادي بأهمية الاندماج ومشاركة المجتمع ، والعالم ، في التغيير نحو الأفضل ونحو كل ما يرتقي بالإنسان ، وأصحاب هذا الفكر يؤمنون أن المؤمنين جزء من كيان هذا العالم المادي ، وعليهم التفاعل مع مجتمعاتهم بهدف التغيير .
إن "التحرر" شعار عصري ، لكنه أيضاً معنى إنجيلي أصيل حيث يمثل مفهوم "التحرير" أحد أهم مواضيع الكتاب المقدس الأساسية . لذا يحاول الكاتب تقديم قراءة كتابية لاهوتية إزاء

الاحتجاجات والثورات كالتالي:
ــ اللاهوت المسيحي والمساواة
ــ اللاهوت المسيحي والتحرير
ــ اللاهوت المسيحي وحرية التعبير عن الرأي وتقرير المصير
ــ المواطنة
ــ دعوة الكتاب المقدس لإرساء العدل ومناهضة الظلم والقهر


رابعاً: موقف الكنيسة من الاحتجاجات والثورات


مع تزايد وتصاعد وتيرة الاحتجاجات والاضرابات في الآونة الأخيرة ، وصولاً للتظاهرات والثورة على نظام الحكم وإسقاطه ، يطرح الكاتب الكثير من التساؤلات منها : ما هي علاقة الكنيسة بالدولة ؟ هل يقتصر دور الكنيسة على الإطار الروحي فقط ، أم أن للكنيسة دوراً مشاركاً في الحياة السياسية ؟ وهل للكنيسة الحق في إبداء رأيها في قضايا السياسة ؟ أعلى الكنيسة أن تتخذ دائماً موقف الخضوع للحاكم والنظام السياسي ؟ هل من الواجب الفصل بين الكنيسة والمواطن المسيحي إزاء الشأن السياسي ؟ وهل للمسيحي الحق في ممارسة السياسة والتعاطي مع القضايا السياسية ؟ وهل يحق لرجل الدين المشاركة في العملية السياسية وإبداء آرائه في موضوعات وقضايا السياسة من منطلق كونه مواطناً ، أم أن وضعه كرجل دين يلزمه بالامتناع حتى من إبداء الرأي السياسي؟


لقد حاول المؤلف أن يقدم لنا إجابات وافية عن هذه التساؤلات بشئ من التفصيل، وفي ختام حديثه يقدم لنا الكاتب دعوة للمشاركة فيقول : "الحقوق لا تُمنح لكنها تُنتزع انتزاعاً ، وبجميع الوسائل المتاحة ؛ هذا هو الطريق الذي اتبعته أغلب شعوب الأرض التي ثارت من أجل الحرية والديمقراطية وسيادة القانون" .


ولقد كان أحمد شوقي صادقاً حين كتب :"وما نيل المطالب بالتمني .. ولكن تُؤخذ الدنيا غلاباً" ، فإذا كانت الحقوق لا تمنح ، فإن المطالب لن تُنال بالتمني ، والتنظير العقلي والمنطقي والفلسفة النظرية ، لأنها ستبقى حينها أمانٍ تفتقر للآليات التي تحولها إلى واقع عملي مُعاش ، وتبقى المشاركة (المجتمعية والسياسية والاقتصادية وغيرها) الرافد الأول على طريق نيل المطالب ، وانتزاع الحقوق .

للتحميل والقراءة   
 
المفهوم اللاهوتي للثورة
حقوق النشر © 2022 نظرة للمستقبل . جميع الحقوق محفوظة.