قضايا معاصرة

لقد تطرق الكتاب المقدس لكافة الجوانب المتعلقة بحياتنا الروحية وعلاقتنا بالله، ولكنه لم يغفل أيضاً عن التطرق للقضايا الصعبة التي تواجهنا في حياتنا المعاصرة فهو كتاب لكل زمان لذلك فكلما ظهرت قضية على السطح نجد فكر الكتاب واضح فيها وعلى هذا الأساس تتناول سلسلة كتب قضايا معاصرة قضايا كالطلاق والإجهاض والموت والإدمان....على أساس كتابي.

انت هنا / قضايا معاصرة / العنف ضد المرأة

العنف ضد المرأة

الكاتب: القس رفعت فكري
الناشر: مطبوعات نظرة للمستقبل

مع مطلع القرن الحادي والعشرين ، وعلى الرغم من كل ما حققه الإنسان من التقدم الهائل في كافة الأصعدة والمجالات الحياتية ، من علوم وتكنولوجيا وثورة اتصالات ، لكن من المؤسف أن هذا التقدم الهائل لم يستطع أن يهدي البشرية إلى السلام والرفق والمحبة والألفة ، إذ تبقى هناك الكثير من مظاهر الهمجية والبربرية والعنصرية والجاهلية لازالت عالقة ومترسخة في النفس البشرية وكأنها تأبى أن تنفض عنها تلك المساوئ والمثالب رغم تغير الرداء الذي ترتديه ومن هذه المظاهر السلبية "العنف ضد المرأة" وهذا العنف هو "إرث ثقافي له تاريخ طويل يمتد إلى أيام الجاهلية الأولى حينما كان الرجل يفتخر بوأد الأنثى ، رمز الفضيحة والعار" .


وفي كتابه "العنف ضد المرأة" نجد الكاتب القس/ رفعت فكري يتطرق لشتى الجوانب المتعلقة بهذا الموضوع والذي يندرج تحت سلسلة كتب قضايا معاصرة  وخلال صفحات الكتاب والتي تبلغ 200 صفحة تقريباً من القطع المتوسط يتناول الكاتب :

أولاً: عالمية وعمومية العنف ضد المرأة ... ولكن !! مما لا يختلف عليه اثنان أن العنف ضد المرأة يكتسب بعداً عالمياً فهو يتجاوز كل الحدود الثقافية ، والدينية ، والمعرفية ، ويطال كل المجتمعات حتى المتحضرة منها ، فالمرأة في جميع دول العالم بلا استثناء تتعرض إلى العنف بكل أشكاله وأنواعه ، فهو ظاهرة تجد جذورها في الثقافة الذكورية التي تحيل المرأة إلى كائن دوني وتميز بينها وبين الجنس الآخر من منطلق عدم التوازن واللامساواة في السلطة بين الجنسين ، ويتم تبريرها بأسباب متعددة منها ضعف المستوى الاقتصادي والاجتماعي (البطالة ، الفقر، .......) فالمرأة للأسف مقهورة ومضطهدة في جميع المجتمعات بلا استثناء .


ثانياً: العنف ... المعنى والمدلول اللغوي: وفي هذا السياق يتناول الكاتب: العنف من منظور اجتماعي ، العنف المبني على النوع الاجتماعي ، العنف والتمييز، العنف كوسيلة ، العنف الرمزي ، أنواع العنف نحو المرأة وأشكاله ، مظاهر العنف .


ثالثاً: العنف ضد الرجل وهل هو رد الصاع صاعين ؟!! الجدير بالذكر في هذا السياق هو قول الكاتب أن :"العنف ضد الرجال هو حالة غير عادية من طرف النساء يمكن إرجاعه إلى الأسباب التالية:

أولاً : أن يكون كرد فعل ضد عنف الرجال ، وهذا غالباً ما يحصل ، حيث يمارس الرجل عنفاً قاسياً ضد المرأة مما يقابله عنف في مستواه أو أقل منه .
ثانياً : يمكن أن يكون نتيجة للتركيبة النفسية للمرأة ، حيث أنها تعامل بقسوة في طفولتها وأثناء شبابها ، فنشأت في هذه البيئة العنيفة ، مما قد ينتج عنه عنف صادر من المرأة ، هذا التفسير نسبي لا ينطبق على جميع الحالات .
ثالثاً : غالباً ما تكون المرأة العنيفة متزوجة برجل ضعيف الشخصية ، وبحكم أنها تتحمل مسؤولية البيت والأولاد ، قد تدفعها هذه المسؤولية إلى الطغيان واستعمال العنف ؛ لأنها تقلدت مكانة الرجل .
رابعاً : قد يرجع العنف الصادر من النساء إلى حالات من الانحراف ، وهي حالات النساء اللواتي يتعاطين الفساد وتناول المخدرات والمسكرات ، وهذا سلوك يبدل طبيعتهن الأنثوية إلى طبيعة عنيفة .
خامساً : الفارق العمري الكبير بين الزوج والزوجة والطلاق والانفصال ، وما يتبعها من حرمان للأب من رؤية أبنائه ، وزواج المصلحة وعدم التوافق والتكافؤ الاجتماعي بين الزوج والزوجة .
وعن الأسباب العامة للعنف في المجتمع المصري يذكر الكاتب على سبيل المثال وليس الحصر:
حالة الإحباط التي قد تصيب الأفراد في المجتمع والتي تعتبر أهم عامل منفرد يؤدي إلى العنف ، كما أن هناك عدد من العوامل التي ترتبط بالحياة السياسية ، والتي تؤثر بشكل كبير على تفشي ظاهرة العنف في المجتمع المصري من أهمها على سبيل المثال الإرهاب الذي يتسبب فيه الفكر الديني التطرفي الذي يكفر الآخر ويلغيه ويستعبده ... كذلك تؤثر الأوضاع الاقتصادية التي يشهدها المجتمع المصري على مدى انتشار أعمال العنف في المجتمع ، حيث يتأثر الأشخاص القائمون بأعمال العنف بأوضاع مثل الفقر والبطالة وفقدان فرص العمل وزيادة الأسعار ، وفي بعض الأحيان قد تدفع الظروف الاقتصادية إلى القيام بأعمال عنف ـ مثل البلطجة ـ مقابل الحصول على الأموال .


وفي سياق الحديث عن ظاهرة العنف ضد المرأة نجد المؤلف يولي الأهمية القصوى للمرأة وذلك خلال تناوله لأسباب وأنماط وآثار العنف ضد المرأة بنوع من التفصيل فيما يلي :
أسباب العنف ضد المرأة
1ـ المرأة نفسها
2ـ الأسباب الثقافية
3ـ الأسباب التربوية
4ـ العادات والتقاليد
5ـ الأسباب البيئية
6ـ الأسباب الاقتصادية
7ـ عنف الحكومات والسلطات
8ـ تداعيات الحروب الكارثية
9ـ الآثار السلبية للتدهور التعليمي والتربوي والصحي والبيئي


أنماط العنف ضد المرأة
العنف ضد المرأة له أنماط مختلفة ، وهو متعدد الأشكال والألوان ، وهو ملازم للمرأة في معظم مراحل حياتها ، سواء كانت داخل البيت أو خارجه ، وسواء كانت في بيت أبيها أو في بيت زوجها ، وسواء كانت في الشارع أو في العمل ، فالعنف ملازم للأنثى أينما سارت وحيثما حلت ، يحاول الكاتب هنا أن يرصد بعض أنماط العنف ضد المرأة مع الوضع في الاعتبار إنه عمليا ً يصعب الفصل بين أشكال العنف لأن هناك عنف مركب .
أولا ً: العنف الثقافي
ثانيا ً: عنف ما قبل الولادة
ثالثا ً: العنف الأسري
رابعا ً: البتر التناسلي للإناث .. عملية جزارة لا طهارة
خامسا ً: زنى المحارم ... عنف ضد المرأة
سادسا ً: عمل الطفلة .. نوع من السُخرة
سابعا ً: عنف التمييز الغذائي
ثامنا ً: عنف التمييز في فرص التعليم
تاسعا ً: العنف بسبب جرائم الشرف
عاشرا ً: تزويج الطفلة ... عنف ضد الأنثى
حادي عشر: العنف الزوجي
ثاني عشر: العنف ضد العانس والمرأة الوحيدة (المطلقة ــ الأرملة)
ثالث عشر: العنف الإعلامي
رابع عشر: العنف القانوني
خامس عشر: العنف الاقتصادي
سادس عشر: العنف السياسي
سابع عشر: العنف المعنوي النفسي


وعن آثار العنف ضد المرأة نجد أن الكاتب يذكر لنا نقلاً عن الدكتورة هيفاء أبو غزالة قولها :"يعتبر العنف ضد المرأة انتهاكا ً لحقوق الإنسان للمرأة بحيث يمنع المرأة من التمتع بحقوقها الإنسانية وحرياتها الأساسية كالحق في الحياة والأمن والصحة والتعليم والسكن والحق في المشاركة في الحياة العامة ولهذا عواقب وأثار صحية واجتماعية وتكاليف اقتصادية .
"تترتب على العنف الممارس ضد المرآة آثار جسمية ونفسية واجتماعية تصيب المرأة وتكون لها آثارها على الأسرة والمجتمع" ثم يسرد لنا الكاتب هذه الآثار بنوع من التفصيل .
وعن موقف المسيحية من العنف ضد المرأة نجده يقول :" ترفض المسيحية شتى أنواع العنف سواء العنف الجسدي أو اللفظي أو المعنوي كما رفض السيد المسيح مبدأ الاعتداء على أي أحد من البشر أيا كان لونه أو جنسه أو دينه أو مذهبه أو معتقده الفكري فالمسيحية ترى أن جميع البشر هم خليقة الله وجميعهم متساوون في الكرامة . والمرأة في المسيحية كما يقول الكتاب المقدس ليست من دون الرجل في شئ ولكنها مساوية له تماما ً فالله سبحانه وتعالى بعد أن خلق حواء لتكون معينا ً نظيره ، وكلمة نظيره تعني المساواة التامة .


وفي هذا السياق كان من الضروري التركيز على موقف السيد المسيح من المرأة فمن خلال تعاليم السيد المسيح وتصرفاته يمكننا أن نكتشف القيم والمبادئ التالية التي أراد أن يرسيها :ــ
أولا ً: نظر السيد المسيح إلى المرأة كإنسان وليس كشئ
ثانيا ً : حرر السيد المسيح المرأة من سلطان الرجل الظالم
ثالثا ً : سمح المسيح بتعليم المرأة
رابعا ً : المستوى الروحي والديني للنسوة
خامسا ً: قبل السيد المسيح اتباع المرأة له
سادسا ً : قبل السيد المسيح خدمة المرأة
سابعا ً : المرأة ضمن تلاميذ المسيح ورسله


ولكن التساؤل الذي طرحه الكاتب وهو جدير بالملاحظة هل من علاج للعنف ضد المرأة؟ يحاول الكاتب هنا تقديم إجابة وافية عن هذا التساؤل بصورة تتلامس مع الواقع ثم يختتم الكاتب هذه الدراسة بالعودة إلى الماضي وهو ما يتناوله تحت عنوان المصريون القدماء والمرأة ... مصر التي كانت وأصبحت!!


فلقد ارتفع عقل مصر وارتفع قلب مصر في الجيزة في تلك الأهرامات الخالدة ، ليشهد العالم على مجد وحضارة أم التاريخ البشري كله ، والتي يعود إليها الفضل في تقدم وتطور العالم كله . فقد انبثق نورها ووصل إلى كل بقاع الدنيا . ووقف العالم مذهولا ً أمام تلك الحضارة العميقة التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ . وكيف لا يكون هذا هو وضع حواء ومكانتها في أرض الحرية والحضارة والمجد القديم ، ولماذا لا يرتبط بالحاضر ؟ ولماذا لا تعلو مكانة حواء في مصر الآن ؟ لتعود لأمجادها مثلما كانت في الماضي البعيد . ونحن أحفاد الأجداد نفخر بكل ما صنعه أجدادنا في أعماق التاريخ قرابة سبعة آلاف سنة ..... ونحن أحفاد بناة الأهرام في سالف الدهر . فلماذا لا نكون خير خلف لخير سلف ؟ ولماذا لا يتكرر ظهور الشخصيات النسائية العظيمة أمثال حتشبسوت ، ونفرتيتي ، ونفرتاري ، وكيلوباترا، شجرة الدر، وغيرها من السيدات المصريات اللائي دخلن التاريخ من أوسع أبوابه ، وكتبن فيه أنصع الصفحات . فلعلنا نأخذ من تاريخنا درسا ً .


إن ما يحدث على الساحة الفكرية والثقافية من انتشار لأفكار رجعية تنادي بعودة المرأة للبيت ، أو بأنها لا تصلح لأن تكون قاضية أو رئيسة جمهورية أو ... أو ..... وغيرها من مثل هذه الأفكار التي يرددها البعض بين الحين والآخر ، والتي كانت تتردد منذ قرون خلت وقد عفا عليها الزمن من زمن ، كل هذا يجعلنا نتساءل : ماذا حدث لمصر؟ ومن الذي غير أفكار المصريين تجاه المرأة ؟ ومن الذي نقب عقول المصريين فجعلهم يطالبون بعودة المرأة إلى البيت ، وأنها لا تصلح لتولي بعض المناصب ؟ هل لنا أن نجيب بشجاعة : من الذي سرق عقل مصر ؟؟؟
يقول الكاتب :"أعتقد أن شجاعة الإجابة على السؤال السابق تنقذنا مما نحن فيه من انحطاط وهوان" .


وإذا كان مقام المرأة في مصر القديمة أسمى من مقامها في أي حضارة أخرى في وقتها ، فماذا حدث الآن ؟

للتحميل والقراءة   
 
العنف ضد المرأة
حقوق النشر © 2022 نظرة للمستقبل . جميع الحقوق محفوظة.